وقد يكون ممن رد على بعض الفرق من وقع في بعض مقالتهم، فمثلاً ابن الجوزي رحمه الله في المنتظم وفي غيره من الكتب يهاجم الأشعرية هجوماً عنيفاً، وابن رشد يهاجم الأشعرية هجوماً عنيفاً، فلو وجدنا هذا الكلام عن ابن رشد، فهل نقول: إنه من أهل السنة والجماعة ؛ لأنه يهاجم الأشاعرة ؟ لا. هو ليس كذلك، فـابن رشد هذا شر من الأشاعرة، فهم أقرب إلينا منه مع مهاجمته لهم؛ لأنه يقول قول الفلاسفة الذين هم أبعد الفرق في الانحراف حسب دوائر الانحراف والكفر التي رتبناها للفرق.
إذن لا نقول: هذا من أهل السنة ؛ لأنه رد على الأشاعرة، وكذلك ابن الجوزي رحمه الله رد عليهم، بينما تجده هو نفسه يؤول الصفات، ويتبع في ذلك شيخه ابن عقيل، وشيخه ابن عقيل كان أقرب ما يكون من مذهب الاعتزال مع أنه حنبلي، وكذلك تلميذه ابن الجوزي كان حنبلياً، وقد وقع في شر مما وقع فيه الأشاعرة، أو في مثله وهو يهاجمهم ويتكلم عليهم، لكن هو في نفس الوقت ليس من أهل السنة في هذه المسألة التي يقول فيها بخلاف قول أهل السنة، يعني: نجد أنه اجتمع فيه أنه من أهل السنة في جوانب كثيرة، ولكن عنده تأويل في جوانب أخرى، وهكذا فلا نستطيع أن نقول: إنه أشعري لمجرد أنه أوَّل؛ لأنه هو نفسه يرد على الأشاعرة، ولا نستطيع أن نقول: إنه من أهل السنة ؛ برده على الأشاعرة ؛ لأنه مع رده عليهم وقع فيما وقعوا فيه في أبواب أخرى، إذن فلابد من الميزان، وقد قال الله تعالى: ((وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ))[الرحمن:7] * ((أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ))[الرحمن:8] * ((وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ))[الرحمن:9] لابد من الميزان العدل الذي نحكم به على الأفراد وعلى الجماعات وعلى الطوائف وعلى الأمم وعلى المواقف، ويكون الميزان هو ميزان العدل إن شاء الله في جميع أمورنا.